الإعلام الجديد ....
الإعلام الجديد: أنواعه، خصائصه وتحدياتها المجتمعية :
غيرت تكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة كل نواحي الحياة، وأثرت في
معظم أنشطة الأفراد والجماعات وأجبرتها على التعامل معها كواقع لا بد منه، وعلى
التفكير في كيفية إدماجها في أنشطتها وأعمالها.
كما ظهرت العديد من التطبيقات والتقنيات الاتصالية على شبكة الإنترنت
بالخصوص، بدءًا بالبريد الإلكتروني وغرف الحوار والتراسل النصي، وبرمجيات التواصل
المباشر، والقوائم البريدية، وصولاً إلى الأشكال العديدة للصِّحافة الإلكترونية،
كالمواقع التكميلية للوسائل إعلامية، المواقع الفردية الشخصية، المدونات
الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي بكل أشكالها.
إن اختيار موضوع الإعلام الجديد فرضه الدور المتزايد الذي باتت تلعبه
التكنولوجيا عمومًا والإعلام المتصل بها بشكل خاص؛ حيث بات لزامًا التعاطي مع هاته
الظاهرة بالبحث والدراسة للوقوف على تأثيراتها في مجتمعاتنا، وإيجابياتها المتاحة
للاستفادة منها قدر الإمكان ثم محاولة تلافي سلبياتها أو على الأقل الحد منها
ويمكن القول بدءًا إن الإعلام الجديد جاء نتيجة تطور تاريخي للإعلام التقليدي
وتكنولوجيا الإنترنت والإعلاميات؛ حيث أتاح دمج هذين المجالين الوصول إلى مفهوم
جديد يستفيد من خصائص الإعلام من حيث إمكانية التواصل والإخبار ونشر المعرفة في
نفس الوقت يستغل ما تتيحه وسائط التكنولوجيا الجديدة ليصبح أكثر حضورًا وانتشارًا
ويتيح مشاركة وتفاعلية أكبر لكل أطياف المجتمع.
حيث يواجه العالم الإسلامي الكثير من الإشكالات المعاصرة للتطورات
العالمية في المرحلة الراهنة، أصعبها التي تتقاطع مع المبادئ والقيم المؤسسة
للبناء الفكري الإسلامي، الأمر الذي جعل سلوك الفرد المسلم تحت حالة نزاع بين
العقائد والأفكار النابعة من تيارات تسيء استعمال هذه التكنولوجيا، سواء كانت هذه
الفرق تمثل دعاة الفكر المضاد أو فرقًا ضالة تدعي أنها الدين الحق فتبث سمومها
الفتاكة بين الشباب المسلم تخريبًا لعقائدهم الصحيحة ففتحت بذلك أبوابًا للانحلال
والإباحية وممارسة الموبقات عبر شبكة الإنترنت ليصبح معها الدفاع عن قيم الإسلام
وأفكاره أمرًا في غاية الأهمية والأولوية.
الإعلام الجديد هو مجموعة من التقنيات الحديثة التي تعتمد على
الإنترنت، وفي نفس الوقت على أسس الإعلام والتواصل، وهناك إجمالاً ثلاث خدمات
رئيسية يقدمها الإعلام الجديد للمستخدمين:
الاتصال من فرد إلى فرد أو من فرد إلى جماعة أو من جماعة إلى جماعة
أخرى وأكثر لأغراض شخصية أو عامة.
تتمثل أهمية الإعلام، ودوره في المجتمع.. في الآثار التي تحدث في
منظومة القيم، وأنماط التفكير، وأساليب الحياة.. بسبب التعرض للرسائل الإعلامية،
التي تعرضها وسائل الإعلام، الحديث عن دور وسائل الإعلام في المجتمع، يتم التعبير
عنه أحيانًا.. بغير (مفهوم التأثير)، فهناك حديث عن (وظائف) تقوم بها وسائل
الإعلام، والحديث عنها.. بوصفها تأثيرات، تبقى مسألة نسبية، تحكمها معايير قيمية،
ونظم ثقافية؛ لذلك لا بد من الاعتراف، أن هناك جدلاً طويلاً، بين العاملين في حقل
الاتصال الجماهيري.. الإعلام، حول حجم وكيفية تأثير الرسائل الإعلامية في الجمهور.
إن وسائل الإعلام تعتبر من المصادر الأساسية للمعلومة، والتي يبني
عليها الفرد مواقفه، وتقوم عليها اتجاهات الجماعات حيال الأحداث الجارية، سواء
بالقبول أو الرفض، حيث تتولى وسائل الإعلام الدور الملموس في تشكيل موقف الجمهور
المتلقي من القضايا المطروحة على الساحة المحلية والدولية، ولا يتوقف تغيير
الاتجاه والموقف على القضايا العامة أو الأحداث المثارة، بل يمتد إلى القيم وأنماط
السلوك، فقد يحدث أن يتقبل المجتمع قيمًا كانت مرفوضة قبل أن تحملها الرسالة
الإعلامية، أو يرفض قيمًا كانت سائدة ومقبولة مستبدلاً بها قيمًا جديدة.
ويبقى الإعلام ووسائله من أهم عوامل نقل الحضارة، وإشاعة الثقافة
الجادة، ودعم الفكر الصالح، وبث القيم الصحيحة في العادات والسلوك، وإصحاح البيئة
الإنسانية والمجتمع البشري، وتحقيق التواصل الاجتماعي والثقافي بين الأفراد
والجماعات والأمم.
يحتاج العالم اليوم إلى منظومة قيم جامعة ناظمة لنقل الخبر، تنهل من مرجعية
مرتبطة برقابة الخالق جل جلاله، قبل أن تضبطها تشريعات وضعية قلما تحترم، والناظر
في الكتابات القليلة المتخصصة في إبراز خصائص النظام الإعلامي من منظور إسلامي
يجدها تؤصل نظرتها من آي الذكر الحكيم، ومن التفصيلات العملية التي جاء بها خير
البرية محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد بدأ الإسلام أول ما بدأ بالحديث على ضرورة
حفظ الإنسان لحواس التواصل التي متَّعه الله بها؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ ﴾ [الإسراء: 36]، ثم ركب على ذلك حفظ أعراض الناس من القول السيئ
والباطل، قال - تعالى
-: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾
الحجرات: 66(
وبات من الطبيعي والمنطقي بالتالي.. بل والضروري السعي لتطويع هذه
الآليات التقنية الحديثة أيضًا واستنباط وسائل حديثة في الاتصال الإلكتروني تستخدم
في تحقيق هدف المشروع الحضاري الإسلامي في الأعمار والاستخلاف والتنوير وتحرير
العقل من القيود المادية كي يسيح في الأرض ويتدبر ويعمل لدنياه وآخرته مع تفعيل كل
أنواع وأشكال هذا الإعلام سواء المباشر
(عبر صحف ومواقع
إلكترونية إعلامية)
أو غير المباشر (مجموعات إنترنت بريدية وفيس بوك وتويتر
وغيرها.
ومن المهم أن نشير هنا إلى أن الإعلام الإسلامي مطالب بتقديم رسالة
إيجابية تهدف للبناء لا الهدم والإيجابية لا النظرة السوداوية وجلد الذات مثل
الصريخ والعويل من الهجمات علي الإسلام والمؤامرات الغربية.. فكل هذا دفاع قد يشغل
الإعلام الإسلامي عن البناء والإعمار والتربية وإبراز النماذج الإيجابية وتنمية
الجوانب الصحية في التجربة الإسلامية عمومًا.
إذ يجب أن ينطلق هذا الإعلام الإسلامي الإلكتروني من مشروع نهضوي عام
جامع يستهدف التنمية الشاملة وإبراز هوية الدولة المصرية الحضارية الإسلامية من
خلال الفنون والثقافة والعلوم وكل مناحي الحياة، ولا يقتصر على الدفاع أو العويل
على ما يجري للمسلمين من مؤامرات كما يوجهنا لذلك رب العزة - سبحانه وتعالى -
بقوله الكريم:
﴿ وَقُلِ
اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [ .